إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
محاضرات في شرح نواقض الإسلام وكتاب الجنائز من صحيح البخاري
27463 مشاهدة
من جعل بينه وبين الله وسائط

أما الناقض الثاني فهو: (من جعل بينه وبين الله وسائط).
رفع إلى شيخ الإسلام ابن تيمية سؤال أن قائلا قال: لا بد لنا من واسطة بيننا وبين الله تعالى، فأنكر عليه بعض الحاضرين ورفع السؤال، فأجاب شيخ الإسلام بجوابٍ شافٍ كافٍ، وتسمى تلك الرسالة التي فيها الجواب (رسالة الواسطة) مطبوعة في كتب التوحيد، ومطبوعة أيضا في المجلد الأول من مجموع الفتاوى.
أجاب رحمه الله تعالى بأنه: إن أريد بالواسطة الرسول المبلغ فهذا صحيح، وإن أريد بالواسطة الشفيع في الدنيا فليس بصحيح، بل الله تعالى يسمع عباده؛ يسمع دعاءهم، ولا يحتاج إلى أن يُتوسط بينه وبين أحد، بل العبد يدعوه مباشرة مهما كان، ولكن المشركون أبوا إلا أن يجعلوا وسائط، وادعوا أن أوثانهم وسائط بينهم وبين الله تعالى، فقالوا: إن ملوك الدنيا يحتاجون إلى وسائط، إذا أردت حاجة عند أحد الملوك لا بد من واسطة يشفع لك ويقربك وتقضى حاجتك، فيقولون: هكذا ربنا لا بد أن نجعل بيننا وبينه واسطة، فنقول يا محمد أنت واسطتنا، ويا عيدروس أنت واسطتنا، ويا عبد الحق أنت واسطتنا، ويا يوسف ويا تاج ويا بدوي ويا حسين ويا علي ويا سيدة زينب ويا فلان وفلان أنت واسطتنا، لماذا؟ ادع لنا واشفع لنا، فيتقربون إلى ذلك الواسطة الذي يزعمون أنه يقربهم، ويقولون: إنه يقربنا إلى الله، وإنه يشفع لنا حتى تقضى حاجاتنا، وحتى نعطى حوائجنا.
لا شك أن هذا شرك، وهو قول المشركين الأولين، حكى الله تعالى عنهم ذلك، قال تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ؛ بمعنى أنهم يشفعون لنا كما أن الواسطة يشفع عند الملك، وشبهوا الله تعالى بملوك الدنيا، ملوك الدنيا بشر لا يعلمون الصادق من الكاذب، لا يعرفون ما في الضمير، الرب سبحانه وتعالى يعلم ما في الضمائر، ويعلم ما في السرائر، فلا حاجة به إلى أن يتوسط إليه أحدٌ من خلقه، فهو سبحانه عالم بهم، وعالم بضمائرهم، إذن فالذين يجعلون بينهم وبين الله وسائط يعتبرون قد وقعوا في الشرك وإن لم يشعروا، وقعوا في الشرك؛ أي الشرك الأكبر حيث أنهم يعبدون ذلك الواسطة، ويتقربون إليه، ويدعونه من دون الله، ويصرفون له خالص حق الله تعالى
وكل من دعا معه أحدا
أشرك بالله ولو محمدا